الأطفال لا يجدون الطعام.. «الجوع» مأساة أخرى تفتك بالسودانيين في ظل الحرب

الأطفال لا يجدون الطعام.. «الجوع» مأساة أخرى تفتك بالسودانيين في ظل الحرب
زيادة عدد النازحين في السودان- أرشيف

في غضون شهرين فقط، دفنت منى إبراهيم اثنين من أطفالها الذين قضوا جوعًا في مخيم زمزم للاجئين في السودان، البلد الذي يعاني من حرب أهلية مستمرة منذ قرابة عامين بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وروت منى، البالغة من العمر 40 عامًا، كيف شاهدت ابنتها رانيا تفارق الحياة وهي لم تكمل عامها العاشر، قبل أن يلحق بها ابنها الرضيع منتصر، الذي لم يتجاوز شهره الثامن، متأثرًا بسوء التغذية الحاد، وفق وكالة "فرانس برس".

واليوم، تخشى منى أن تلقى ابنتها رشيدة (4 سنوات) المصير ذاته، إذ تعاني من فقر دم حاد دون أي رعاية طبية. 

في تسجيل مصور أرسلته عبر "واتساب" لوكالة فرانس برس، تقول منى بحسرة أمام مأوى بلا سقف قرب الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، "أنا خائفة جدًا أن أفقدها. نحن متروكون تمامًا"، مؤكدة أن "لا طعام، لا دواء، لا شيء على الإطلاق".

مجاعة تتفشى في المخيمات

أعلنت حالة المجاعة رسميًا في مخيم زمزم الشاسع، الذي تأسس عام 2004 ويضم بين 500 ألف ومليون شخص، وفقًا لنظام تصنيف تدعمه منظمات الأمم المتحدة. 

ولم تقتصر المجاعة على هذا المخيم، بل امتدت إلى مناطق أخرى، من بينها بعض أجزاء جبال النوبة جنوب السودان.

ورغم هذه الحقائق الصادمة، تواصل الحكومة الموالية للجيش إنكار حدوث مجاعة، في حين يعاني ملايين السودانيين من نقص التغذية.

داخل وحدة "سلام 56"، إحدى التجمعات المكتظة داخل المخيم، تصارع الأمهات لإنقاذ أطفالهن الذين لا يقوون على المشي من شدة الإنهاك. 

وتتشارك العائلات في طبق فول لا طعم له، فيما تملأ أوعية المياه العكرة التي تشرب منها الحيوانات والبشر على حد سواء.

وتؤكد راوية علي، وهي أم لخمسة أطفال، "هذا كل ما لدينا"، مشيرة إلى دلو ماء عكر جُلب من خزان لمياه الأمطار يبعد ثلاثة كيلومترات عن المخيم.

أزمة إنسانية غير مسبوقة

وفقًا للمنسق المشرف على وحدة "سلام 56"، آدم محمود عبدالله، لم تتلق المخيمات سوى أربع شحنات من المساعدات الغذائية منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، آخرها كان في سبتمبر، وكانت عبارة عن 10 أطنان من الدقيق، ومنذ ذلك الحين، لم تصل أي مساعدات.

وتعكس هذه الأزمة تفاقم الحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف، وأدت إلى نزوح أكثر من 12 مليون شخص، مما تسبب في "أكبر أزمة إنسانية على الإطلاق"، وفقًا لمنظمة الإغاثة الدولية (IRC).

وفي مناطق أخرى، لا يختلف الوضع كثيرًا، إذ تشهد مدينة ديلينغ في جنوب كردفان، واحدة من آخر المطابخ الجماعية التي لا تزال تعمل، طوابير انتظار لا نهاية لها. 

وتقول نازك كابالو، الناشطة في مجال حقوق المرأة، "نشاهد رجالًا ونساء وأطفالًا هزيلين جدًا، بطونهم منتفخة وعظامهم بارزة، وبعضهم ينهار من شدة الجوع".

المزارعون يأكلون أوراق النباتات

وفي ولاية جنوب كردفان، التي كانت يومًا ما منطقة زراعية غنية، يضطر المزارعون لأكل بذور الزراعة وأوراق النباتات المغلية للبقاء على قيد الحياة. 

وتؤكد كابالو أن "الجوع بات ينتشر في مناطق لم تشهد مجاعة من قبل".

وفي ولاية القضارف، التي تبعد 400 كيلومتر جنوب شرق الخرطوم، يعاني أكثر من مليون نازح من نقص الغذاء، وسط تدفق العائلات الفارة من المعارك الضارية.

تقول ماري لوبول، مديرة الشؤون الإنسانية في منظمة "أنقذوا الأطفال"، إنها رأت "أطفالًا شديدي الهزال، أنوفهم تسيل وأعينهم مصابة بالالتهابات، فيما يضطر الأهالي إلى اتخاذ قرارات تقطع القلوب حول أي من أطفالهم يمكنهم إنقاذه وأيهم يجب أن يُترك للموت".

عراقيل أمام الإغاثة الدولية

رغم المناشدات الدولية، تواجه منظمات الإغاثة صعوبات بالغة في إيصال المساعدات. 

وتوضح لوبول أن "نقل الإعاشات إلى المناطق المتضررة أمر شبه مستحيل بسبب الحواجز الأمنية، وعمليات النهب التي تقوم بها جماعات مسلحة".

ويحذر العاملون في المجال الإنساني من أن السودان يواجه كارثة غير مسبوقة إذا لم يتحرك المجتمع الدولي بسرعة. 

وتختتم لوبول تحذيرها قائلة: "هناك أشخاص يموتون بالفعل، لكن التداعيات بعيدة المدى لهذه الأزمة ستلاحق السودان لأجيال قادمة".

ومع غروب الشمس في مخيم زمزم، تتمدد رشيدة ابنة منى إبراهيم على الفراش منهكة بلا حراك، بينما تهمس والدتها بقلق: "لا أعرف إلى متى يمكننا الصمود".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية